العرض في الرئيسةفضاء حر

حين اكتسر ناموس غالبية الثلاجات

يمنات

فكري قاسم

كانت الثلاجة من قبل هي الحاجة الوحيدة اللي تبرد القلب في البيت، وكنت شخصياً بمجرد أن أفتحها تضوي في وجهي وتلفحني بهواء بارد، أحس إنه يسلم علي ويقلي بكل احترام وتقدير: أهلاً وسهلاً، اتفضل ما اشتيت.

وحتى لما كانت البيوت من قبل تطفى، كانت الثلاجة هي الحاجة الوحيدة التي تظل سهرانة في كل بيت في خدمة المواطن وراحته، فيما يظل صوتها وهي تشتغل أفضل من أي صوت آخر يمكنك أن تسمعه وانت عطشان راقد. لكن من يوم ما قرحت الحرب صراحة، وانقطع التيار الكهربائي، اكتسر ناموس غالبية الثلاجات في البيوت، وتحولن مع الوقت إلى أثاث زائد عن الحاجة.

ثلاجة بيتنا مثلاً، ما عدهيش ثلاجة أبداً، قد هي جامع ينقصه المصلين فقط. عمركم شفتم ثلاجة خاناتها السفلية أصبحت ملان كتب مأثورات وختم من المصحف الكريم وكاسيتات لخطب وأدعية وعظية، بينما أصبحت خانة الفريزر مكان مناسب لوضع أدوات الصلاة حق أمي: السجادة والمسبحة والقميص، وماعد ناقص الثلاجة حقنا إلا مؤذن وقبة وخطيب جمعة، وإنها جامع الإمام الطافي رضوان الله عليه.

ثلاجة بيت خالتي حسناء تحولت هي الأخرى من ثلاجة أطعمة ومثلجات إلى دولاب للملابس، وتضع في الفريزر ملابس أبنائها الداخلية، وأما الرفوف الجانبية فتضع فيها مجموعة من القلاصات والفناجين المعتبرة اللي تخرجهن لما يكون عندها ضيوف.

وبينما أصبحت ثلاجة جارنا فؤاد مخزن للجزمات والأحذية والشرابات (الجوارب) وأشياء أخرى يعلمها ربي، أصبحت ثلاجة فردوس، الخياطة الشهيرة في الحارة، تعيش هي الأخرى طفرة التبريد الجديدة. الرفوف الجانبية للثلاجة على الباب أصبحت معرضاً لكل أنواع الفتل والإبر ومكعبات التطريز، بينما امتلأ بطن الثلاجة بالقصاصات والقماش والمقصات والسراويل الشلش اللي قد تم تجهيزهن للنساء اللي طلبن منها عدداً من السراويل الشلش. وأما الفريزر المثابر حق فردوس فقد أصبح ملان طوابع لاصقة بأسماء عملائها وحركة البيع وكم واصل من مبلغ الخياطة وكم باقي، وعند الله حسن الثواب.

وكله كوم واللي اخترع الثلاجات كوم. تخيلوا كيف لما الواحد يشوف اختراعه الذي قدمه للبشرية عشان يشربوا حاجة باردة وعشان يحتفظوا داخلها بالأطعمة والذي منه، كيف سيكون حاله لما يشوف اختراعه ذاك وقد تحول بقدرة قادر إلى مخزن لأشياء وقلافد ما كانت تخطر في الحسبان ابداً! أغلب الظن إنه بيضحك على حاله لما يجتلط أو يجنن. بالنسبة لي أنا مش زعلان خالص على اللي اخترع الثلاجة، وليش أزعل عليه أصلاً؟ عائلته الآن مرتاحة، وكلهم مفتهنين، ويشربوا ماء بارد، ويأكلوا جيلي الله يهنيهم، إنما أنا زعلان شقرح على الثلاجات حقنا في اليمن. كانين ثلاجات طيبات وبنات ناس وعمرهن كله ما قد غثين مخلوق، واحنا جازيناهن هذا الجزاء كله، ولهن أكثر من سنتين لليوم وهن صابرات، ويقمن بمهام ما أنزل الله بها من سلطان في انتظار عودة التيار الكهربائي العمومي الذي أهانهن وكسر ناموس معيشة الغلابا من الناس. ويكفي إننا صرنا نعيش في بيوت ولا عد فيها شيء يبرد القلب أو يبهج الخاطر، وكله في سبيل أن يشرب تجار الحروب ماء بارد جعله سمهم.

المصدر: العربي

 للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى